شهدت أحداث "ماسبيرو" عددا من التجاوزات الإعلامية أولها تحريض التلفزيون الرسمي الذي دعا المواطنين للنزول لحماية قوات الجيش من اعتداء المتظاهرين الأقباط، كما داهمت قوات الأمن مقر قناة "25" الفضائية وأوقفت بثها على الهواء، ونفس الأمر تكرر مع قناة الحرة التي اقتحمت قوات الأمن مقرها وأوقفت بثها لأحداث المظاهرات،بحسب الفيديوهات التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي منها الفيسبوك.
الآن قبل الغد يجب إعادة هيكلة التلفزيون الرسمي
يرصد عماد مبارك مدير مؤسسة حرية الفكر والتعبير دور الإعلام المصري في أزمة ماسبيرو من خلال مستويين، الأول الإعلام الرسمي متمثلاً في اتحاد الإذاعة والتليفزيون التابع لوزارة الإعلام والذي يتهمه عماد بممارسة دور "تحريضي" ضد المتظاهرين وهو ما أدى إلي قتل المتظاهرين أمام ماسبيرو. فقد وجه التلفزيون الرسمي نداءا إلى المواطنين مطالباً إياهم بالنزول إلي الشارع لحماية جنود الجيش من المتظاهرين الأقباط الأمر الذي صعد من حدة الأحداث وحاول إكسابها بعدا ًطائفيا. وهو سلوك تحريضي على القتل وجريمة يجب محاسبة القائمين على التلفزيون المصري عليه، بحسب قوله.
المستوى الثاني يتمثل في الضغوط التي مارسها المجلس العسكري على القنوات التلفزيونية الخاصة حيث أن معظم هذه القنوات تمارس عملها تحت رقابة وسيطرة السلطة الحاكمة في مصر عليها، بل وصل الأمر إلى مداهمة قوات الأمن "استديوهات" المحطات التلفزيونية أثناء البث المباشر وقطع إرسالها على الهواء أمام ملايين المشاهدين.
"المسار القضائي العام حتى قبل أحداث ماسبيرو يتجه نحو حماية جميع الجناة وإخفاء الأدلة"لهذا يري عماد بأنه الآن قبل غد يجب فوراً العمل على إعادة هيكلة اتحاد الإذاعة والتلفزيون وفصل تبعيته للحكومة أو للسلطة بحيث يصبح التلفزيون الرسمي معبراً عن الشعب لا عن توجهات السلطة الحاكمة.
يرفض عماد الرأي القائل بأنه هذه الخطوة لا تزال مبكرة لأنه حالياً لا يوجد برلمان يمكن أن يمارس دور الرقابة على هذا الجهاز. حيث يري أنه مع تنحى مبارك كان هناك توجه لإلغاء وزارة الإعلام وتم إلغاؤها بالفعل كخطوة أولى لتشكيل مجلس أمناء من الرموز الإعلامية يقوم بإدارة اتحاد الإذاعة والتلفزيون. إلى جانب ما سبق يقول عماد "هناك أيضاً خطوات عاجلة يمكن اتخاذها لتحرير الإعلام تتمثل في إلغاء حق وزارة الاستثمار في إصدار التراخيص للقنوات الفضائية والرقابة عليها أيضاً".
"هناك تحريض واضح ذو صبغة طائفية ضد المتظاهرين"نظام مبارك الإعلامي لا يزال مستمرا
شريف يونس الناشط السياسي والأستاذ بجامعة حلوان يري أن جوهر الأزمة الحقيقية يتمثل في عدم حدوث تغيير حقيقي في الإعلام الرسمي ولا حتى في القنوات الخاصة التي عرفت بتأيدها للنظام السابق ودفاعه عنه، حيث لا تزال هذه القنوات إلى جانب التلفزيون الرسمي واقعة في يد القبضة الأمنية وتمارس دورها "التحريضي" ضد الثورة. ويضرب يونس مثالا على ذلك بتغطيتها الإعلامية لأحداث ماسبيرو حيث "كان هناك تحريض واضح ذو صبغة طائفية ضد المتظاهرين بل وحتى إنكار لوقوع ضحايا في صفوف المتظاهرين. لكنهم تراجعوا عن موقفهم مع ارتفاع عدد الضحايا وظهور الفيديوهات على الانترنت والقنوات الإعلامية. مع الاستمرار بالطبع في إدانة الأقباط ومظاهراتهم والحديث عن المؤامرات الخارجية".
في رأى شريف فدورالإعلام في مرحلة ما بعد الثورة وفي أحداث ماسبيرو هو جزء من مشروع يراد به إشاعة جو الفوضى والاحتقان الطائفي لتبرير تأجيل الانتخابات وخطوات التحول الديمقراطي والعودة مرة ثانية إلى الديكتاتورية العسكرية.
ويضيف شريف يونس أن كل الأطراف السياسية الآن في مصر موجودة في مأزق صعب، فمن ناحية يجب التعجيل في خطوات نقل السلطة بأسرع ما يمكن، ومن جهة أخرى لا يمكن بأي شكل من الأشكال إجراء انتخابات نزيهة تعبر عن الإرادة السياسية لتلك الثورة في ظل استمرار العمل بقانون الطوارئ وعدم وضوح الموقف الأمني. بالتالي فالخطوة الأولى في رأى شريف ليست الانتخابات البرلمانية بل مجموعة من التحالفات السياسية الواسعة بين القوى الإسلامية والمدنية لفترة انتقالية واضحة المعالم يتم خلالها إجراء مجموعة إصلاحات أساسية تحقق الإرادة السياسية لمطالب الثورة وتحد من سلطة الجيش على أساس اتفاق واضح. وهى خطوة لا تزال بعيدة لأن كل القوى السياسية ما زالت تتعرف على مدى قوتها، وهناك تكتلات وقوى سياسية مازالت في طور الإنشاء، وكل هذه عقبات تقف حجر عثرة أمام استقرار الأوضاع في الشارع المصري.
جرائم بلا عقاب
فور اندلاع أحداث ماسبيرو أعلن رئيس الوزراء المصري عصام شرف عن تكوين لجنة لتقصي الحقائق لمعرفة أسباب ما حدث، وحتى الآن لم تعرف طبيعة اللجنة وحدود صلاحياتها وهل ستشمل تحقيقاتها الدور الذي لعبه الإعلام والتلفزيون أم لا.
شريف يونس لا يبدو متفائلاً بهذه اللجنة ولا بأي تحقيقات ستجري في هذه القضايا فحسبما يقول "المسار القضائي العام حتى قبل أحداث ماسبيرو يتجه نحو حماية جميع الجناة وإخفاء الأدلة وتزوير تقارير الطب الشرعي، حتى وصل الأمر إلى درجة استخراج الرصاص من بعض الجثث لإخفاء الأدلة. وشاهدنا كيف تمت ممارسة ذات السلوكيات في أحداث ماسبيرو حيث تمت مطاردة المصابين ومحاصرة المستشفي التي تحتوى على الجثث".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق