في بادرة أخرى من بوادر اللعب على اثارة النعرات الدينية والطائفية، في هذا الظرف الحساس الذي تمر به بلادنا، وفي الوقت الذي تعمل اغلبية ابناء هذا الوطن جاهدة مخلصة، على انجاح عملية الانتقال الديمقارطي، تعمل بعض القنوات التى أنشئت زمن المخلوع، سواء بدعم او ترخيص منه، على محاولة اقصاء اطراف سياسية لمجرد كونها تمثل تيار الهوية العربية الاسلامية في البلاد.
وبعد التسريبات التى نشرت عن اجتماع سوسة الشهير، يبدو ان بعض الفضائيات التى شاركت في ذلك الاجتماع دخلت مرحلة التطبيق الفعلي للقرارات التى تم اتخذت حينها. وكالعادة ... صوبت هذه القنوات فوهات مدفعيتها الثقيلة الى التيارات الاسلامية في محاولة للطعن في مصداقيتها بمختلف الأساليب، والنيل من تاريخها النضالي. وفي هذا السايق قامت قناة نسمة ببث فيلم كارتوني ايراني مدبلج إلى اللهجة التونسية الدارجة.
ويقدم الفيلم الجمهورية الاسلامية الايرانية كنموذج للتيارات الاسلامية، بعيدة كليا عن مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان، حسب ما جاء في الومضة الاشهارية للفيلم الذي بثته قناة نسمة، وهو بعنوان "Persepolis" أو "بلاد فارس" للإيرانية مارجان ساترابي وفنسان بارونو.
الفيلم عرّفته قناة نسمة في الومضة الاشهارية على أنه "الفيلم الحدث الذي غير نظرة المشرق والمغرب إلى التطرف الديني والسياسي" وربما لا يفوتنا التساؤل عن سبب اختيار عرض هذا الفيلم في هذه الفترة بالذات؟ والسبب هنا هو الهدف والهدف يبدو جليا بمجرد مشاهدة الومضة الاشهارية للفيلم.
فالفيلم فيه رسالة واضحة ومباشرة تستهدف ضرب الصورة التى ارتسمت للإسلاميين لدى الرأي العام التونسي، وذلك من خلال التطرق لمسألة الحجاب وتصوير الرجل الملتزم في صورة المتزمت بل والمغتصب كما جاء صراحة في جملة باللهجة التونسية العامية، في مشهد لرجل متدين أوقف امرأة محجبة في الشارع، لم يعجبه حجابها ليأنبها ويهينها ويخبرها بلغة تونسية فجة أنها "من نوع النساء اللاتي لا يصلحن سوى للاغتصاب ثم الرمي"، وهذه صورة نمطية مشوهة في منتهى الخطورة.
وكالمعتاد صوّر الفيلم حجاب المرأة على أنه كبت لحريتها من خلال قصة فتاة في سن الثامن نشأت مع والدين "منفتحين" منحاها كل الحرية إلاّ أنها شعرت بالقمع في ظل الحكم الإسلامي، وهي تروي حكاية طفولتها مع اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979 وما تلاها من خيبة أمل قبل أن يرسلها والداها إلى النمسا خوفا من الأجهزة الأمنية وتقول لها والدتها في احد المشاهد باللهجة التونسية "نحبك تخرج من هالبلاد نحبك تكون حرة، متحرره"، وهنا نعود إلى متاهة حرية المرأة التي يحاولون جاهدا أن يجعلوا منها قضية في تونس رغم عدم وجود المشكل من الأساس، كما هو الشأن بالنسبة للتطرف الديني والسياسي.
وكتعليق سريع يمكن القول ردا على كل من يعتقد انه باستطاعته اثارة الفتنة بين التونسيين ان تونس ليست ايران، وان الحركات الاسلامية في تونس لا "تشبه" تلك الموجودة في "بلاد فارس"، لذلك فان محاولات الايحاء من خلال الفيلم بتطابق الصورتين عملية فاشلة، لان التونسي بات اذكى واكثر انتباها لمثل هذه المؤامرات...
ثاينا لا بد من التاكيد على ان الشعب التونسي مهمها اختلف وتنوع فهو يظل شعبا منسجنا رغم اختلافه وموحدا رغم تعدده، وعلى الذين يعتقدون انه بمقدورهم تمزيق النسيج الاجتماعي للتونسيين ان يقرأوا التاريخ جيدا وينظروا الى هذه الوحدة العجيبة للتونسيين دينا (الاسلام) ومذهبا (سنة)، فقها (الامام مالك) وعقيدة (الاشعري) وتصوفا (الجنيد السالك).
ان ضمان حرية التعبير .. من اوكد مطالب الثورة ولكن هذه الحرية لا يجب ان تستغل لبث الفتنة بين ابناء الوطن الواحد خدمة لاجندات غير وطنية او انتصارا لتيار او توجه او فكر دون اخر، لان تونس الان بحاجة لكل ابنائها وليست في حاجة الى "صناع الفتن".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق